إنشاء مخطط تطويرالذات؟

1

إنشاء مخطط تطويرالذات؟



"كن صبوراً على نفسك. النمو الذاتي هو العطاء ؛ إنه أرض مقدسة. ليس هناك استثمار أكبر." - ستيفن كوفي

يجب على كل شخص أن يلتزم بتطوير ذاته و تنمية شخصيته مدى الحياة، التعلّم و التطوّر لا يخضعان لقوانين الزمان و المكان، فمهما تقدّمت في العمر و أينما ذهبت ستبقى تلميذا في مدرسة الحياة.

عندما نلتزم بالتعلم و التطوّر و نسعى لنكون أفضل دائما ، فلن نشعر بالركود أو الوقوع في شبكة المعتقدات و الأفكار المحدودة. لكن، التطوّر لا يأتي سوى بالعمل؛ لا يمكننا أن نقول فقط أننا نريد أن ننمو ونترك الأمر عند هذا الحد، بدون أهداف واضحة للنمو الشخصي ، لا يمكننا إنشاء خطة واضحة وفعالة ، ومن المحتمل أن نشعر بأن جهودنا لم تأتي بأي نتائج و أننا لا نحقق أي تقدّم.

 إنشاء خطة لتطوير ذاتك و تنمية شخصيتك ستساعدك على الوصول إلى حيث تريد، يمكن أن تكون بمثابة مصدر للإرشاد والإلهام والدعم والحكمة لمساعدتك على تحقيق أهدافك الشخصية في جميع جوانب حياتك.

 يكون السفر أسهل كثيرًا عندما يكون لديك على الأقل بعض الرؤية الكبيرة للصورة وفكرة عن المكان الذي تريد الذهاب إليه ، بالإضافة إلى خطة أساسية للأشياء التي تريد القيام بها.

أجل إن الحياة أشبه برحلة تسافر خلالها من مرحلة لمرحلة، لكن حتى تكون رحلتك جميلة و تستغلّها كما يجب، إذن عليك التخطيط لها جيّدا. إن لم تخطط جيدا لرحلتك سينتهي بك الأمر محبطا فاشلاً و غير راض عن رحلتك أبداً، لهذا يكون الأمر أسهل إذا كانت لديك خطة أكثر تفصيلاً.

في هذا المقال سنرى كيفية إنشاء مخطط لتنمية ذاتنا.

1. مفهوم تطوير الذات:

تطوير الذات هو أكبر إستثمار يمكن أن يقوم به أي شخص في حياته؛ فهو يتضمن النمو العقلي والجسدي والاجتماعي والعاطفي والروحي الذي يسمح للشخص أن يعيش حياة إنتاجية، ناجحة و فعّالة. تنمية الذات تتحقق عندما يسعى الشخص لتطوير مهاراته الحياتية و تحسين نفسه من خلال العادات والأنشطة الإيجابية.

يشمل تطوير الذات؛ تحسين الخصائص الداخلية للفرد مثل الوعي الذاتي و تحقيق السعادة ، بالإضافة إلى الخصائص الخارجية مثل النجاح المهني و زيادة الثروة. هذا النمو و التطوّر لا يخضع لقوانين الزمان و المكان كما ذكرنا سابقاً، إنّما يحدث على مدار حياتنا بأكملها وهو ما يسمح لنا بتحقيق أهدافنا وتطلعاتنا وزيادة جودة حياتنا.

2. مفهوم مخطط تطوير الذات:

الآن وبعد أن أشرنا إلى مفهوم و ماهية تطوير الذات، يمكنك على الأرجح توقع و فهم معنى "مخطط تطوير الذات".

هذا المخطط في الأساس هو خريطة طريق لرحلتك نحو الأهداف والنجاحات التي تخطط لتحقيقها، و هذه الخريطة مصحوبة بالوسائل التي تساعدك في رحلتك؛  ألا و هي المهارات والعادات التي ستحتاجها لتحقيق ما تريد. يشمل مخطط تطوير ذاتك كل مجالات حياتك: التعليم ، والوظيفة ، والعلاقات ، وتنمية فكرك و شخصيتك... والمزيد. 

يتطلب بناء حياة أحلامك وعياً و إدراكاً تاماً لكلّ ما يحدث و ما يجب أن يحدث في حياتك و كيف، حتى لا تحيد عن طريقك و لا تدخل في متاهة لا خروج منها.

يخلق مخطط التنمية الذاتية الوضوح في نفسك؛ فبمجرد وضع جميع أهدافك وتطلعاتك في مخططك، سيكون من الأسهل كثيرًا تضييق نطاق تركيزك وتحديد أولويات إنجازاتك المستقبلية.

نحن نعيش في عالم مليء بالمشتتات ، وإذا لم توجه تركيزك نحو تنمية ذاتك، فمن السهل أن ينجذب انتباهك نحو تلك المشتتات، الذي يتسبب في خروجك عن طريق هدفك، تطويرك لنفسك هو طريقك للوصول و مخطط تطوير الذات هو دليلك في الرحلة.

3. كيف ترسم مخططاً لتطوير الذات؟

1.      توضيح رؤيتك.

إبدأ رحلتك بتوضيح مسارك من نقطة البداية حتى نقطة النهاية. ما هدفك؟ لماذا تريده؟  كيف يمكنك الوصول لهدفك؟ من الشخص الذي تريد أن تكون؟ ما القيم التي تربطك؟ ما هي المهارات التي تريد اكتسابها؟ ما هي الإنجازات التي تجعلك أكثر سعادة؟

كل هذه التساؤلات قد تكون غامضة في البداية، لكن بالتخطيط و توضيح الصورة تصبح أجوبتها ظاهرة و يسهل العمل عليها،  سيجعلك هذا تفكر فيما يتطلبه الأمر بالفعل للوصول إلى هناك و يصبح تفكيرك منطقياً و عقلانياً.

الخطوة الأولى هي تحديد الأهداف التي تهمك حقًا؛  يمكن أن يكون شيئًا متعلقًا بحياتك المهنية، أو شيئاً يترك أثراً واضحاً في حياتك الشخصية و يحسّنها.

 بمجرد أن تحدد هدفك بوضوح، فكر في أسباب سعيك وراء هذه الغاية؛ قد تعتقد أن هذا لمجرد أنك تريد أن تشعر بتحسن تجاه نفسك وتحاول إيجاد طرق لبناء و تطوير ذاتك، هذه كلها عوامل مهمة ، ولكن لكي تتطوّر و تنمو أكثر عليك أن تحفر أعمق قليلاً و تبحث عن السبب الذي يستطيع تحفيزك و دفعك للأمام حقاً. عندما يكون السبب قويا و يحمل معنى كبيرا بالنسبة لك، ستشعر بالتشجيع على بلوغ الهدف مهما كان يبدو طريقه وعِراً. يجب أن تكون أسبابك واضحة ومقنعة حتى تساعدك على التركيز و تحقيق نموك الشخصي و تنجذب نحو هذا الهدف بشغف.

2.    تحديد أولوياتك.

بعد تحديد أهدافك و وجهتك بوضوح، الآن حان وقت الترتيب. من بين كلّ الأهداف التي دوّنتها في جميع مجالات حياتك، أيّها الأكثر أهمية بالنسبة لك الآن؟ هذا هو هدفك الرئيسي الذي سيكون كلّ تركيزك عليه في الوقت الحاضر؛  على سبيل المثال إذا كانت أولويتك القصوى المطلقة للأشهر الستة المقبلة هي التمتع بصحة جيدة و بناء جسم سليم، فهذا يأتي في أعلى القائمة. إذا كنت ترغب في بدأ مشروع في العام المقبل ، فإن الإدخار لميزانية المشروع هو الأهم بالنسبة لك هذا العام، فهذا يأتي في أعلى القائمة. هناك أي مهارات أو عادات تريد تطويرها والتي ستكون مهمة لنجاحك؟ مثلا تحسين مهارات التحدث، حتى تكتسب المزيد من الثقة و تحسّن العلاقات والتواصل مع الآخرين ، وحتى نجاح أعمالك.

الهدف من تحديد أولوياتك هو تحديد ما ستعمل عليه أولاً و تنظيم جدول أعمالك، هذا ما سيزيد ثقتك بنفسك و يجعلك أكثر إنتاجية و فعالية. تجنب القيام بالعديد من الأعمال في وقت واحد لأنك ستفقد التركيز و بدل إنجاز مهامك ستفشل بسبب التعب و الإرهاق. من الناحية المثالية ، سيكون من الأفضل صبّ إهتمامك على هدف واحد فقط، ولكن يمكنك اختيار 2 أو 3 أهداف إذا لم تتعارض مع بعضها البعض ولن يستغرق أي منها وقتاً و طاقة كبيرة.

3.    تقييم نفسك:

بعدما توضح نظرتك و تحدّد هدفك و أولويّاتك، تريّث و ألق نظرة على واقعك؛ قيّم نفسك. يتطلّب التخطيط لتطوير ذاتك التفكير العميق و المنطقي و مستوى عالي من الوعي الذاتي، لتحديد كيفية الإنتقال من النقطة "أ" إلى النقطة "ب" و معرفة المجالات التي يجب التركيز عليها. لإنشاء مخطط تنمية الذات يجب فهم قدراتك الداخلية (نقاط القوة والضعف) وبيئتك الخارجية ( الفرص و الصعوبات). أولاً عليك طرح بعض التساؤلات: ما هي مهاراتك؟ ما هي نقاط قوتك؟ و ضعفك؟ كيف تستغلّ الفرص؟ و كيف تتخطى العقبات؟ مالذي تحتاجه لمواصلة رحلة التطوير هذه؟

أجوبة هذه التساؤلات ستوضّح لك الكثير من الأمور، و تعبِّد لك الطريق الوعر نحو هدفك و ستكون وسيلة نقل رائعة.

عليك إجراء تقييم ذاتي للمهارات التي ستحتاج إليها لتحقيق أهدافك و يساعدك في تطوير ذاتك، يعد تقييم هذه الأنواع من المعلومات وإدراك مجموعة المهارات الخاصة بك أمرًا بالغ الأهمية لإتقان الخطوات التالية في خطة النمو الشخصي الخاصة بك. ضع في اعتبارك المهارات التي لديك بالفعل وكيفية أدائك في ظل الظروف العصيبة. بعض المهارات نكتسبها بشكل طبيعي، والبعض الآخر يتطلب الكثير من العمل و الجهد إذا أردنا أن نكون بارعين.

كل شخص في العالم جيد في شيء ما ولديه مهارات في بعض المجالات المحددة و هذه هي نقاط قوته. ما هي نقاط قوتك الرئيسية؟ إذا لم تكن متأكدًا من الإجابة ، فاسأل أصدقائك وعائلتك. اسألهم "ما هي أكبر نقاط قوتي برأيك؟" ربما ستفاجأ بإجاباتهم. نقاط قوتك الرئيسية هي ما تجعلك فريدًا ومميزًا. لكن الأهمّ من ذلك أن تكون واثقا بنفسك و مدركاُ لنقاط قوتك. هل أنت منظم جيدًا ، صبور ، مثابر ، منفتح ، ذكي ، شجاع ، سريع التعلم ، موهوب ، منفتح ...؟ نقاط القوة لا تتمثل في المال و الشهرة فقط، بل هي التفاصيل الصغيرة التي تجعلك ناجحاً في أي مجال.

من المهم أيضًا معرفة نقاط ضعفك بقدر أهمية معرفة نقاط قوتك، نقاط ضعفك تمنعك من تحقيق العديد من الأشياء العظيمة. لهذا يجب أن تكون مدركاً تماما لنقاط الضعف التي تعرقل نجاحك حتى تعرف ما هي المجالات التي يجب عليك تحسينها، أو المهارات التي يجب عليك تطويرها من أجل تحقيق هدفك.

أمّا بالنسبة للبيئة الخارجية، فعليك أن تكون مدركاً تماماً لأهمية التعرّف على الفرص و الصعوبات التي قد تواجهها في رحلتك نحو الهدف. لهذا يجب تطوير الوسائل (العادات و المهارات) التي تساعدك على إستغلال الفرص و تخطي العقبات كما يجب.

يمكن لسلوكياتك وعاداتك الحالية إما أن تدعمك أو لا تدعمك لتحقيق هدفك، عليك طرح الأسئلة التالية: " أي من عاداتك أو أفعالك تعرقل تحقيق هدفك؟" و " ما هي الإجراءات التي يمكنك اختيارها لبدء القيام بها والتي ستساعدك على تحقيق هدفك؟ "

إستثمر وقتك في تطوير ما تحتاج للوصول لوجهتك و إعمل على معالجة مصادر ضعفك .

4.    بناء عادات و مهارات داعمة.

الآن بعدما قمت بتوضيح هدفك و تحديد أولوياتك و تقييم نفسك و إدراك نقاط قوتك و ضعفك، حان وقت مناقشة تكاليف الرحلة و الضريبة الواجب دفعها في طريقك لهدفك.

كما قال بريان تريسي: " لكل ما تريده في الحياة ، هناك ثمن يجب عليك دفعه بالكامل ومقدمًا. حدد ما تريده حقًا ثم حدد السعر الذي يتعين عليك دفعه لتحقيق ذلك. تذكر ، لتحقيق شيء لم تحققه من قبل، يجب أن تفعل شيئًا لم تفعله من قبل. يجب أن تصبح شخصًا لم تعرفه من قبل. مهما كان ما تريده ، سيتعين عليك دفع ثمن بستحقه من حيث: التضحية والوقت والجهد والانضباط الشخصي. قرر ما هو مرادك وابدأ في دفع هذا السعر اليوم."

المغزى: إذا أردت تحقيق هدف لم تصله من قبل، عليك إتخاذ وسائل لم تعتمدها نت قبل حتى تستطيع الوصول لوجهتك؛ أي تحتاج لتطوير مهارات لم تكن لديك من قبل و البدأ في العمل على هذه المهارات في أقرب وقت ممكن. مثلاُ، إذا أردت أن تكون أكثر إنتاجية؛ عليك التضحية بساعات النوم التي تقضيها في فراشك صباحا و تستيقظ باكراً لإنجاز كلّ مهامك.

العادات تشكل جزءًا كبيرًا من يومنا هذا و شخصيتنا اليوم، عاداتك الحالية مسؤولة جزئيًا عن النتائج التي حصلت عليها في حياتك لحدّ الآن. هذا يعني أنك إذا كنت تريد تغيير حياتك ، فعليك البدأ بتغيير عاداتك. قم بكتابة قائمة بكل عادة تعتقد أنها قد تكون مفيدة من أجل الوصول إلى أهدافك. أنت بحاجة إلى نظام من العادات الداعمة التي ستقربك من هدفك و تسهل الطريق للوصول إليه. لا تضيف الكثير مرة واحدة؛ إبدأ بخطوات بسيطة، صغيرة و مستمرّة ، ركز على عادة واحدة في كل مرة. التكرار و الإستمرار هو ما يسهل عليك إكتساب العادة التي تريدها،بمجرد تكوين العادة ، يمكنك الانتقال إلى العادة التالية.

5.    إتخاذ الإجراءات و تطبيق الخطة.

هدفك واضح، أولوياتك محدّدة، نقاط قوتك معروفة، عملت على تطوير مهاراتك و طوّرت عادات داعمة لبلوغ الهدف؛ الآن حان وقت التطبيق. إذا كنت ترغب في تحقيق هدف كبير ، فستكون هناك العديد من الإجراءات التي يتعين عليك اتخاذها.

في اللحظة التي تتخذ فيها إجراءات، ستظهر لنفسك بشكل أساسي أنك قادر على فعل شيء ما. بغض النظر عن النتيجة ، ستنمي بالفعل ثقتك بنفسك واحترامك لذاتك ويجعلك تشعر بالرضا عن نفسك و تشعر بإحساس بالتقدم والإنجاز والإنتاجية.

في بداية رحلتك ، من الجيد أن تستثمر في إكتساب الكثير من المعرفة في مجال تطوير الذات من خلال الكتب والدورات والندوات. بهذه الطريقة ، تكون قد بنيت الطبقة التأسيسية القوية من المعرفة والأفكار و القوانين. لكن التعلّم وحده لا يُحدِث أي تغيير، بل تطبيق ما تعلّمته هو ما يصنع الفارق؛ حان الوقت للحد من الكمية التي تستهلكها وزيادة مقدار الإجراءات التي تتخذها.

 يعد اتخاذ الإجراءات أكثر صعوبة من التعلّم، لأنه يجبرك على الخروج من منطقة الراحة الخاصة بك. ومع ذلك ، فإن اتخاذ الإجراءات هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يدفعك إلى الأمام في الحياة؛  إذا لم تتخذ إجراءًا بناءًا على ما تعرفه ، فستبقى عالقًا في نفس المكان، إذا لم تحول معرفتك حقًا إلى أفعال ، فلن ترى النتائج التي تتمناها في الحياة.

إذا كنت ترغب في جعل أهدافك وأحلامك حقيقة ، فأنت بحاجة إلى تطبيق ما تعلّمته أكثر مما تستهلك، الطريقة الوحيدة لعيش حياة منتجة ومرضية و ناجحة حقًا هي  تنفيذ أهدافك وأفكارك والمعرفة المكتسبة حديثًا.

خاتمة:

إذا كنت مهتمًا بتنمية شخصيتك و متحمسًا لذلك، فإن إنشاء خطة لتطوير ذاتك يعد طريقة رائعة لتحقيق أهدافك دون أن تحيد عن مسارك، و هو أساس بناء الشخص الذي تريد أن تكون عليه.

 خطة التنمية الشخصية هي خريطة طريق مذهلة يمكنك تحديثها والرجوع إليها طوال حياتك حرفيًا. تمنحك هذه الخطة هدف حياتك و توضّح تركيزك ويمكن أن تساعدك على عيش حياة أكثر سعادة و نجاحا.


التعليقات

بحث هذه المدونة الإلكترونية